ليس "عنصرياً"

قرار جنوب إفريقيا وضع علامات على منتجات المستعمرات "الإسرائيلية"، لتمييزها عن غيرها، وحفظ حق المستهلك في معرفة أنها منتجات كيانات غير شرعية سلبت أراضي الشعب الفلسطيني، واستغلت ثرواتها، وتسوّق منتجاتها عالمياً، لدعم المزيد من عمليات السلب والنهب للأرض الفلسطينية، يعبّر بدرجة كبيرة عن ثقافة مقاومة الاحتلال، وعن سلوك ضارب في جذور هذا الشعب الذي عانى طويلاً مرارة وظلام وظلم نظام الفصل العنصري المقيت، الذي جلبه إلى البلاد استعمار لا يقل عنصرية ولا تعنتاً عن الكيان المحتل.

اللافت ليس في القرار الذي يعد أمراً مفروغاً منه وطبيعياً بالنسبة إلى هذه الدولة الإفريقية، التي حققت منذ انتهاء نظام الفصل العنصري قفزات نوعية على أكثر من صعيد، وباتت مثالاً لكثير من الشعوب، بل في رد الفعل "الإسرائيلي" الذي جاء كما كان متوقعاً أيضاً، محمّلاً بالاتهامات، وزاخراً بالمغالطات التي يجب ألا تمر على أحد "مرور الكرام".

"إسرائيل" أرغت وأزبدت، وتريد أن تقيم الدنيا ولا تقعدها، أمام هذا القرار، وبدأت حملتها المعتادة، الهادفة إلى تجريد جنوب إفريقيا من "الأخلاق" وقذفها بتهم العنصرية، في سياق هجمة منظّمة ستقود في النهاية بالتأكيد إلى اتهامها بما تزعم أنه "معاداة للساميّة"، والهدف في النهاية حمل هذه الدولة على التراجع عن قرارها.

المتحدث باسم خارجية الكيان يغئال بلمور تحدث عن استدعاء وشيك لسفير جنوب إفريقيا، من أجل "توبيخه" كأن الدبلوماسي الممثل لهذه الدولة تلميذ مدرسة أتى بسلوك خارج اللياقة، أو أساء أو اعتدى على أحد زملائه، وكأن دولة مثل جنوب إفريقيا تغدو مجرّدة من سيادتها عندما يتعلق الأمر، بمنتجات هذه المستعمرات التي تغتصب الأرض الفلسطينية، من دون أدنى التفات إلى قانون أو قرار أو شرعية دولية أو إنسانية، ورأى هذا المتحدث المدعوم بتراث "عريق" - إن جاز التعبير - من الممارسات العنصرية والجرائم الدولية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، أن القرار "يميز ضد "إسرائيل" على خلفية سياسية، وهذه خطوة ذات مميزات عنصرية واضحة جداً".

لكن العجيب في هذا التصريح ليس ما جاء عليه من اتهامات، بل الربط الخارق لكل عادة، بين السياسة والعنصرية، فإذا كان التمييز على خلفية سياسية كما زعم، فكيف يمكن أن يكون عنصرياً؟ وكيف يمكن جعل الأمرين سيّان وكأن الارتباط بينهما شكلي وعضوي في الوقت ذاته؟

بين جنوب إفريقيا والعنصرية بون شاسع، وبينها وبين معاداة الشعوب والأعراق مسافة أكبر بكثير مما تحاول "إسرائيل" بسط نفوذها عليه من أراضي الفلسطينيين، أو تغييره من مواقف الدول الكبرى الداعمة لها تحت تهديد اتهامات مشابهة، وضغط عمليات ابتزاز منظّمة لكل نظام أو سياسي أو دولة "تخرج" عن رواية الكيان ورؤيته.

لا يدرك هذا الكيان المحتل حجم العزلة المتصاعدة التي تتعرض لها سياساته قبل منتجاته، أو لعله يدرك لكنه يأبى إلا أن يستمر في ممارسة ما برع فيه تاريخياً، من عمليات الكذب والتضليل وليّ عنق الحقيقة، وابتزاز العالم الغربي تحديداً، في إطار روايات كثير منها لا يستند إلى وقائع يقرّها التاريخ.

قرار جنوب إفريقيا يجب أن يلقى الدعم والمساندة من كل شعوب العالم المناصرة للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، ومن الفلسطينيين أنفسهم، الذين يؤمل أن يسمع منهم موقف يشيد ويدعم ويثمّن، وينتظر منهم أيضاً العمل في هذا الاتجاه في دول أخرى تتبنى قطاعات واسعة منها مقاطعة "إسرائيل"، وتجابه هجمات منظّمة من مناصري هذا الكيان المحتل

اسلام ويب